شهد المغرب منذ توقيع الحماية 1912 سلسلة أحداث متعلقة بمقاومة المحتل صنفت في عدد من أشكال النضال والمقاومة ، فالأخيرة التي بدأها المغاربة ضد التسرب الأوربي قبل الحماية وبعدها سجلت انتصارات وهزائم ، وطبعت الروح القتالية المغربية ورفضها لمنطق الاستعمار مثل حركة موحى اوحمو الزياني بالأطلس المتوسط وعسو باسلام بالأطلس الصغير وعبد الكريم الخطابي بالريف " فيكاد الجيل الجديد الذي يفصل بين سنة 1912-1930 أن يكون عهد كفاح عسكري محض فالأغلبية فضلت رفع السلاح في وجه المستعمر ولم يكن إخضاعها إلا بعد جهد جبار وبصفة تدريجية "
أما الحركة الوطنية فقد كانت بقيادة نخبة جديدة طغى على تركيبها عند انطلاقها الحضور الطلابي المثقف ، كانت هذه النخبة الجديدة تحت تأثير مزدوج التأثير الشرقي الذي يبرز بشكل لافت في خطابها حول الهوية والانتماء الحضاري للمغرب " بحيث كان الشرق العربي يشهد نهضة فكرية جاءت بعد سبات عميق دام عدة قرون وكان أساسها العودة إلى التراث لأجل تلمس الهوية والبحث عن الذات .... هاته التحولات السياسية والفكرية وغيرها اطلع عليها المغاربة عبر عدة وسائل مثل الصحافة والزيارات والمؤلفات والبعثات الطلابية وغيرها " والتأثير الثاني الفرنسي الذي يبرز في الأشكال التنظيمية لعملها الوطني ( أي التنظيم الحزبي ، النقابي ...الخ) .
وتندرج أعمال هذه النخبة عبر محطات انطلقت بعرائض صيف 1930، الاحتجاجات على الظهير البربري الموقعة من طرف فئة واسعة مرورا بتأسيس كتلة العمل الوطني كتنظيم جامع للمنخرطين في العمل السياسي الوطني الناشئ ، وتقديم مطلب الشعب في 1934 ثم تقديم المطالب المستعجلة في خريف 1936 وأحداث 1937 التي انتهت بتعريض مجموعة من الأطراف القائدة للعمل الوطني إلى النفي تبعا بذلك تأسيس حزب الاستقلال سنة 1943 وتقديم وثيقة الاستقلال في السنة التي تلتها 1944 .
في سنة 1943 سيكسب المغرب الشرعية الدولية في غضون الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي –والغربي في لقاء جمع بين الملك المغربي محمد الخامس والرئيس الأمريكي روزفلت بمؤتمر آنفا بالدار البيضاء ولوح الرئيس الأمريكي منه " برغبة أمريكا في أن يتمتع المغرب بمزيد من الاستقلال " ، فكان هذا اللقاء بمثابة الضوء الأخضر أعطى للمغرب قوة الكفاح من أجل الاستقلال فواعد فيه روزفلت الملك المغربي بأنه سيساعده على ذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ويقول علال الفاسي في هذا السياق " سيذكر الأمريكيون أن المغرب الأقصى أول دولة اعترفت باستقلالهم إذ لم يذكروا أن الرئيس روزفلت أعطى لجلالة الملك مراكش باسم الشرف الأمريكي وعدا بتأييد قضية المغرب وتحريره " إن هذا اللقاء الذي جمع بين روزفلت والملك المغربي ووثيقة الاستقلال ( في 1944 ، قد طرح على البساط من جديد مسألة الاستقلال " ويضيف وفي شتنبر 1946 أرسل أهم حزب في منطقة الشمال " حزب الإصلاح " وفدا بقيادة كاتبه العام الأستاذ الطيب إلى الرباط ، وبعد لقاءه بمحمد الخامس عقد اجتماعا من أجل المطالبة بالاستقلال ووحدة البلاد في ظل العرش العلوي " .
وبعدها بسنة تهيأ المغرب كله لزيارة الملكية لطنجة 1947 حيث " كانت المدن والقرى التي سيمر منها الموكب الملكي تستعد للتمتع بمشاهدة ملكها في طريقه إلى المدينة وكانت الأوساط الاستعمارية الفرنسية تبحث عن كل الذرائع لإبطال هذه الزيارة التاريخية لأنها كانت تعلم أنها ستكون مظهرا كبيرا من مظاهر الوحدة المغربية "
وجاءت أهمية الزيارة لتحضا المدينة بزيارة الملك الشرعي للبلاد ، بحيث كانت السياسة الدولية تحول عمليا دون نزول جلالته بهذا الجزء من تراب المملكة أو المرور بتراب المنطقة الخليفية ،وجاءت الزيارة الملكية ليؤكد سيادة الشعب المغربي الذي يمتلكها عرشه في جميع مناطق البلاد وليدعم بذلك حق المغاربة في تقرير المصير " ، رافضا أي شكل من أشكال السيطرة و التدخل الأجنبي بالمغرب .
في الخمسينيات من القرن 20 باتت القضية المغربية قنبلة حقيقة في وجه النظام الاستعماري كان من تجلياتها الانتفاضية التي عمت البلاد تنديدا بتنصيب ابن عرفة ملكا على البلاد وخلع الملك الشرعي من عرشه ونفيه خارج أرض الوطن ، ومثلت هذه المرحلة روح التماسك والتلاحم بين جميع أطياف وشرائح المجتمع المغربي من مدنيين ، سياسيين وحركيين ...الخ ، جميعها اتحدت في صف واحد ضد النظام الاستعماري وصلت إلى مشابكات ومواجهات خلفت عددا من القتلى في كلى الطرفين تنديدا بسياسة الاستعمار الممنهجة بالبلاد والنداء بعودة السلطان الشرعي إلى أرض الوطن ، وفي هذه الظروف العصيبة لم يسع فرنسا إلى أن دعا رئيس الحكومة الفرنسية ادغارد فور وممثلي الاتجاهات المغربية جميعا في محادثات اكس ليبين وكان من باب خطتها منح المغرب الاستقلال في إطار التبعية..." وأرسل الجنرال كاترو في مطلع شتنبر 1955 إلى انسير أبي لانتزاع الموافقة من السلطان المخلوع على اتفاق إكس ليبان ، وهو ما كان ، واستقبل ابن عرف في 13 أكتوبر تاركا مكانه لذلك المجلس الخرافي –مجلس العرش –الذي ضم الباشا الكلاوي، الصدر الأعظم المقري و امبارك البكاي ممثلا للسلطان "
ويقول بيير فيرموريين في ذات السياق وقد أدى انقلاب الباشا الكلاوي إلى جانب السلطان إلى التشريع من توتيره الأحداث فقد طالب حزب الاستقلال في 26 أكتوبر للعودة الفورية لمحمد الخامس إلى العرش وفي 6 نونبر انطلقت المفاوضات في لا سييل سان كلو للاتفاق على إقامة تبعية متبادلة " وعاد السلطان إلى المغرب في 16 نونبر وهب إلى استقباله 300000 من المناضلين الوطنيين في مطار الرباط سلا وقد السلطان في خطابه العرش يوم 18 نونبر عن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال والحرية ، ويرجى التذكير أن الاستقلال لم يشمل جميع أطياف البلاد بل ظلت هنالك قضايا ترابية عالقة فالاستعمار الإسباني لم يخرج من الصحراء إلا إلى غاية 1975 بضغط مغربي ذكي سلمي تمثل في روح المسيرة الخضراء كما ظلت إشكالية مع الجارة الجزائرية عالقة إلى يومنا هذا .