لقد توالت الكوارث في المغرب من 1901 عندما ثار المغاربة ضد السلطة المركزية للبلاد ونقصد هنا ثورة الجلالي الزرهوني وما أعقبها من تمردات وفتن عمت البلاد من شمالها إلى جنوبها استنزفت مالية الدولة لمواجهتها وإخماد الفتن التي تلتها، فلم تكن الدولة حينها مجهزة ماليا وعسكريا بما فيه الكفاية للتصدي لهذا النوع من الفتن المتعطشة، فلم يبقى أمام السلطان عبدالعزيز سوى اللجوء للاقتراض من الأجانب ومنهم فرنسا وبهذا الاقتراض سيدخل المغرب في دوامة الديبلوماسية الأجنبية، فهذا الاقتراض أثقل كاهله وفتح باب واسعا أمام الأجانب للمزيد من الضغط عليه والتدخل في شؤونه الداخلية، كما جاء ذلك في مؤتمر الجزيرة الخضراء ليحقق أماني الأوربيين، وما تلى هذه الأحداث فيما بعد وبالضبط سنة 1908 من معارك طاحنة بين الجيوش الفرنسية والمقاومين المغاربة في جهة الشاوية مثل ( معركة سطات الأولى، معركة براج، معركة دار القصيبات، معركة سطات الثانية، عين مكونة ومعركة فخاخة التي حسمت من طرف الفرنسيين).
فكل هذه الأحداث أبانت عن ضعف شخصية المولى عبد العزيز أبرز ما حفز بالمولى عبد الحفيظ إلى القيام ضد أخيه، رغبة في التصدي للمشروع الاستعماري ، فلما تولى عبد الحفيظ الملك وجد نفسه عاجزا عن تحقيق الشروط التي وعد بها من بايعوه على العرش. فلقد مارس عليه الفرنسيون والانجليز ضغطا كبيرا لم يجد مناصا للتخلص منه، فلم يقبل الفرنسيون والإنجليز أن يعترفوا به إلا إذا ألغى الجهاد تأمينا لأرواح الأجانب، ولعل الأمر الأكثر خطورة هو اعترافه بالديون التي كانت على المولى عبدالعزيز ورغم التملص الذي كان المولى عبد الحفيظ يواجه به هذه الشروط التي كانت تملى عليه رضخ آخر الأمر وقبل جميع الشروط التي كانت تملى عليه ، وهكذا تخلى عن الجهاد ويضمن سلامة الأجانب وتحمل جميع الديون التي أخذها عبد العزيز، وكل ذلك مقابل اعتراف الأجانب بعرشه.
ونظرا لكون عبد الحفيظ لم يستشر الشعب عندما وافق على مطالب الأجانب فإن سكان كثير من المدن تقبلوا أخبار ذلك باستياء، ولا سيما سكان مدينة مكناس الذين أمروا بخلع عبدالحفيظ ومبايعة أخيه مولاي الزين، ولهذا دخلت فرنسا مكناس بعد معركة قوية في الجملة دامت طيلة الصباح ليخلعوا السلطان مولاي الزين الذي بايعه أهل مكناس ويلقوا القبض عليه.
وفي هذه الظروف أخذت الجيوش الفرنسية تتقدم نحو باقي المدن المغربية بداعي أن الملك بعثهم لإخماد الثوار سعيا منهم للمزيد من التغلغل بالمغرب والسيطرة عليه في النهاية لذا كانت المدن ترفض دخول الجيوش كالرباط وسلا وفاس، حيث امتنع السكان من بيع المواد الغذائية لهؤلاء الجنود الأجانب مما اضطر بعضهم إلى الرحيل تحت ضغط الجوع والفاقة والمرض.
ولقد مثلت سنة 1911 سنة الثورة الحفيظية واحتلت الأخيرة مكانة راسخة في تاريخ المغرب حيث أبعدت نهائيا الأطماع الألمانية الثانية التي أعقبت الحملة، جاعلة بذلك الطريق سالكا أمام تحقيق حلم إفريقيا الشمالية الموحدة الذي طالما داعب مخيلة جيل من الفرنسيين ذوي النزعة الكولونيالية، تسوية أدرك من خلالها السلطان أنها ستكون آخر مسمار في نعش استقلال المغرب.
وفي يوم 16 مارس 1912 غادر السفير الفرنسي مدينة طنجة متجها نحو فاس من أجل الحصول على توقيع المولى عبد الحفيظ على معاهدة الحماية عن الجانب الفرنسي رينيول والجانب المغربي المولى عبدالحفيظ، وتضمنت ديباجة وسبع فصول ، وتم توقيعها في الساعة 11 صباحا بالقصر الملكي بمدينة فاس، وفي نفس السنة تنازل عبد الحفيظ عن الحكم بسبب سخط الشعب الفاسي عليه الذي فهم أن المغرب بويع للأجانب تحت خذلان المولى عبد الحفيظ والضغط الأجنبي الباسل ، وقد تدخل الفرنسيون والفاسيون في اصطدامات دامية خلفت عدة قتلى في صفوف الفرنسيين الذين قرروا نتيجة ذلك نقل العاصمة من فاس إلى الرباط وتنصيب المولى يوسف على المغرب خلفا لأخيه عبد الحفيظ وبهذا انتهت القضية بتقسيم المغرب إلى ثلاث مناطق نفوذ إسباني في الشمال والجنوب ونفوذ فرنسي في وسط المغرب (المغرب النافع) في حين ظلت طنجة منطقة دولية